أحلام، شكرها لأنها أيقظته من الواقعِ قليلًا، كانت الأصوات تعالت من حوله، وهو لم يستطع إسكاتَها، حاول، لكن لم يعد هناك زمامٌ ليمسك به، فتعود كما كانت هادئة.. في هذه الأحلام، رأى أنه يركب الساقية التي تدورُ بشكلٍ رأسي في الملاهي، ثم التي تدورُ أفقيًا في الريف، ثم رأى أنه يدور حول بيتِ أول فتاة أحبّها عندما كان مراهقًا.
كانت دقيقة واحدة التي غفل فيها عن عالمه الصاخب، مرّ فيها مع عقارب الثواني، على سنواته الستين، ثانيةً بثانية، يتذكر فيها أجمل ثوانيها، ويختذلها في الدوران.. أفاق بعدها على صوتِ حفيده وهو يصرخ باكيًا:
– يا بهيجة، قومي رضّعي الولد..
نظر كل من ارتدى الأسود نحوه، وكانت هذه هي المرة الأولى!
***
أحلام، سكبت المياه على سرواله، وركضت ضاحكةً على عَبَطِه، جرى وراءَها حتى المطبخ، حيث يشكوها أمّه، هذه ليست أول مرة يبكي فيها من مكرِ أحلام.
-ماما.. ماما!
نظرت له ابنته، وخرجت من المطبخ تنادي على باقي إخوتها وهي تبكي، وكانت هذه هي المرةُ الثانية!
***
أحلام، سألته ماذا يفعل الآن؟ قال لها إنه يطير، فسألته، هل جرّب الطيران من قبل؟ نظر لطائرته ولم يرد، فجذبتها منه وركضت نحو باقي الأطفال الذين يصيحون مشجّعين لها، وقبل أن تصل إليهم، تمكّن من انتزاع طائرته التي انكسرت بين أيديهم، فصرخ.. خرج زوجُ ابنتهِ من غرفته معلنًا أن الأمر زاد عن حدِّه، وكانت هذه المرة الـ…..
***
أحلام، كانت هادئة على عكس العادة، لكنها ظلّت جميلة، سألته، هل تشعر براحةٍ الآن؟ ابتسم، سألته: هل اكتفيت، أم تريد أن تكرّر لحظات أخرى عشتها من قبل؟ أشار لها، ففهمت أنه مستعدًا الآن للمغادرة، ولا رغبة لديه في المزيد من ألعابه.. أراد فقط أن يشكرها على ما فعلته من أجله بعد موتِ “بهيجة” زوجته، فاستجمع قواه، وناداها.
– أحلام!
– نعم يا بابا؟
نظر لابنته فلم يعرفها، ولم يعرف لماذا ردّت هذه المرأة الغريبة بالنسبة إليه؟ وكانت هذه المرةُ الأخيرة!
قصة من المجموعة القصصية ” الكذبة المثالية”
تدقيق لغوي:نهى الماجد
لتحميل المجموعة القصصية:
قصص أخرى من قصص البقاء في الأسر:
الغاز المُسيل للشجون (قصة قصيرة)